هيليــن تومــاس ضحيــة الإرهــاب الأميركــي.
د.نسيب حطيط
تمارس الإدارة الأميركية الخداع السياسي والفكري،لحماية حقوق الإنسان والديمقراطية و إستخدامهما لإحتلال العقول وغزو الدول وتفرض اميركا نفسها مرجعية قانونية وأخلاقية وتصدرتقاريرها السنوية حول احترام حقوق الانسان وحرية الرأي و حماية الأقليات والأفراد،لكنها تمارس أعمال القمع وانتهاك الخصوصية بحجة الأمن القومي ومكافحة الإرهاب ،أما في الخارج فإن القنبلة النووية في اليابان وحرب فيتنام وغزو افغانستان والعراق و انتهاكات سجني ابو غريب و غوانتنامو وتدبير الإنقلابات العسكرية، خير شاهد على النفاق الأميركي بالشعارات التي يرفعونها ويحاسبون الآخرين عليهاو يتنكرون لها ولا يعملون بها.
الفضيحة والقمع الفكري الأميركية بلغا ذروتهما،بالإضطهاد الفكري للصحافية هيلين توماس ( اللبنانية الجذور)والتي تعمل في البيت الأبيض منذ أكثر من أربعين عام وتبلغ التسعين من العمر،حيث طردت من عملها دون محاكمة أو قبول اعتذارها،بعدما اعلنت عن رأيها بإدانة العدوان الاسرائيلي ضد اسطول الحرية وسقوط الضحايا من المتضامنين الدوليين، مطالبة الإسرائيليين بالخروج من فلسطين والعودة الى بلادهم .
وتحولت هيلين توماس إلى(مجرمة حرب)بالتزامن مع تبرئة القراصنة الإسرائيليين ،وأعدمت معنويا في ساحة الرأي العام الأميركي والعالمي على منصة حرية الكلمة والصحافة ،لتكون عبرة زاجرة لمن تخوله نفسه أن يقول الحقيقة،أو يدين الاحتلال إسرائيلي ،فتهمة معاداة السامية جاهزة لإدانة أي مفكر أو إعلامي أو باحث،كما حصل للمفكر الفرنسي روجيه غارودي وغيره من المفكرين الغربيين.
في القاموس الأخلاقي الأميركي والغربي وكذلك قوانينه فأن قتل العربي أو المسلم أو كل حر في العالم ،هو موقف أخلاقي وقانوني لا تحاسب عليه،بل إنك مفوض الهيا وفق المحافظين الأميركيين الجدد،ووفق الفكر الصهيوني التلمودي.
لكن ما يثير الدهشة والقلق،أن بعض النخب الثقافية العربية والإسلامية في بلادنا،لا تزال ضحية الخداع الأميركي وشعاراته،تروج لمبادئه أما خوفا أو تبعية أو وظيفة او انخداعا بالشعارات ،وتمارس مهمة ترويض الجمهور العام لتسهيل السيطرة الأميركية، حتى صار الاحتلال الأميركي إنقاذا وخلاصا بل محط دعاء بعض الشعوب التي يقهرها حكامها فتلجأ للإستقواء بالذئب من عصا الراعي.
إن الواجب الأخلاقي يفرض على الأعلاميين ووسائل الإعلام ، التضامن مع هيلين توماس ليس من اجلها فقط بل من اجل قضايانا لتشجيع المتضامنين ،لتكوين راي عام غربي عالمي يدحض الإدعاءات الصهيونية والأميركية، ويظهر الحقيقة كما هي ويعيد للضحية حقها المعنوي على الأقل ويحاصر الجلاد.
لقد دأبنا على ادانة الأنظمة وتخاذلها وهذا صحيح، لكن الأصح والأكثر إيلاما أن قوى المجتمع المدني والإعلامي والحزبي،صارت مماثلة للأنظمة في حراكها البطيء والخجول، بل أن بعضها صار يمارس نفس ممارسات الأنظمة عندما تتاح له السيطرة على زاروب او منطقة صغيرة فيصبح(الحاكم)الصغير الذي يقلد الكبار من الحكام.
التحية للشهداء لأحياء والمجاهدين في غزة،فقد فكوا الأقفال عن أفواه العالم،لكنهم لم يستطيعوا تحرير بعض العرب المشاركين في حصارهم، وهم يعلنون أن غزة المحاصرة التي ينهكها الجوع والعطش والقتل،قادرة بإرادتها و ومقاومتها وعزتها أن تهزم المحتل وأعوانه،والمسألة ليست إعدادا أو أنظمة أو دبابات بل إرادة مقاومة وحماية للحق بعنوان الحرية.
تحية تضامن مع هيلين توماس التي انضمت إلى ضحايا أسطول الحرية الأتراك،بينما العرب يحاصرون غزة أو يتركونها فريسة الإغتصاب المتكرر الذي تمارسه إسرائيل،والظاهر أن هيلين توماس كانت أكثر جرأة وواقعية وإنسانية وعدالة من بعض الصحافيين الكتبة من العرب،الذين يدينون المقاومة ويصفقون للإحتلال فكانت هيلين أكثر عروبة منهم كما كان الأتراك أكثر عروبة من البعض الذي يحاصر غزة...
هل سيأتي اليوم الذي تصبح (العروبة الحديثة)تهمة أخلاقية مشينة أم نعيد للعروبة نخوتها وكرامتها؟... المقاومة والوحدة هما السبيل الأشرف والأمثل لإستعادة شرف الأمة وحقوقها.